إن الخليط أجد البين فانفرقا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​إنّ الخليطَ أجدَّ البينَ فانفرقا​ للشاعر زهير بن أبي سلمى
المصدر: ديوان زهير بن أبي سلمى (ص٦٣-٧٧) بتحقيق فخر الدين قباوة، دار الآفاق الجديدة


إنّ الخليطَ أجدَّ البينَ فانفرقا
وعُلِّقَ القلبُ مِن أسماءَ ما عَلِقَا
وفارقَتْكَ بِرَهْنٍ لا فِكَاكَ لهُ
يومَ الوَدَاعِ فأمسَى الرَّهْنُ غَلِقَا
وأخلفتكَ ابنةُ البكريِّ ما وعدتْ
فأصبحَ الحبلُ منها واهيًا خَلَقَا
قامت تَرَاءَى بذي ضَالٍ لِتُحْزِنَنِي
ولا محالةَ أنْ يشتاقَ مَن عَشِقَا
بجيدِ مُغْزِلةِ أدماءَ خاذلةٍ
مِن الظباءِ تُرَاعِي شَادِنًا خَرِقَا
كأنَّ رِيقتَها بعدَ الكَرَى اغتُبِقَتْ
مِن طَيِّبِ الرَّاحِ لَمَّا يَعْدُ أَنْ عَتُقَا
شَجَّ السُّقاةُ على ناجُودِها شَبِمًا
مِن ماءِ لِينةَ لا طَرْقًا ولا رَنِقَا
ما زِلتُ أَرْمُقُهمْ حتّى إذا هَبَطَتْ
أيدِي الرِّكابِ بهمْ مِن رَاكِسٍ فَلَقَا
دَانِيَّةً مِن شَرَورَى أو قَفَا أَدَمٍ
يَسْعَى الحُدَاةُ على آثارِهمْ حِزَقَا
كأنَّ عَيْنَيَّ في غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ
مِن النَّواضِحِ تَسْقِي جَنَّةً سُحُقَا
تَمْطُو الرِّشَاءَ فتُجْرِي في ثِنايَتِها
مِن المحالةِ ثَقْبًا رائدًا قَلِقَا
لها متاعٌ وأعوانٌ غدونَ به
قِتْبٌ وغَرْبٌ إذا ما أُفْرِغَ انسَحَقَا
وخَلْفَها سائِقٌ يحدُو إذا خَشَيتْ
منهُ اللحاقَ تَمُدُّ الصّلْبَ والعُنُقَا
وقابلٌ يتغنَّى كلَّما قَدَرَتْ
على العَرَاقِي يَدَاهُ قَائِمًا دَفَقَا
يُحِيلُ في جَدْولٍ تَحْبُو ضَفَادِعُهُ
حَبوَ الجَوارِي تَرَى في مائهِ نُطُقَا
يَخْرُجنَ مِن شَرَبَاتٍ ماؤُها طَحِلٌ
على الجُذُوعِ يَخَفْنَ الغمَّ والغَرَقَا
بلِ اذْكُرَنْ خيرَ قَيْسٍ كُلِّها حَسَبًا
وخيرَها نائلاً وخيرَها خُلُقَا
القائدُ الخيلَ منكوبًا دوابِرُها
قد أُحْكِمَتْ حَكَمَاتِ القَدِّ والأُبَقَا
غَزَتْ سِمَانًا فآبتْ ضُمَّرًا خُدُجًا
مِن بَعْدِ ما جَنَبُوها بُدَّنًا عُقُقَا
حتَّى يؤوبَ بها عُوْجًا مُعَطَّلَةً
تشكُو الدَّوابرَ والأنساءَ والصُّفُقَا
يَطْلُبُ شَأْوَ امرأَينِ قدَّمَا حَسَنًا
نالا الملوكَ وبذَّا هذهِ السُّوَقَا
هو الجوادُ فإنْ يَلْحَقْ بِشَأْوِهِما
على تَكَالِيفِهِ فَمِثْلُهُ لَحِقَا
أو يَسْبِقَاهُ على ما كانَ مِن مَهَلٍ
فمثلُ ما قدَّمَا مِن صالحٍ سَبَقَا
أغرُّ أبيضُ فيَّاضٌ يُفَكِّكُ عن
أيدي العُنَاةِ وعن أعناقِها الرِّبَقَا
وذاك أحزَمُهُمْ رأيًا إذا نَبَأٌ
مِن الحوادثِ غادى الناسَ أو طَرَقَا
فَضْلَ الجيادِ على الخيلِ البِطاءِ فلا
يُعْطِي بذلكَ ممنونًا ولا نَزِقَا
قد جعلَ المبتغونَ الخيرَ في هَرِمٍ
والسائلونَ إلى أبوابهِ طُرُقَا
إنْ تَلْقَ يومًا على عِلاتهِ هرماً
يلقَ السماحةَ منهُ والندَى خُلُقَا
وليسَ مانعَ ذي قربَى ولا نسبٍ
يومًا ولا مُعْدِمًا مِن خابطٍ وَرَقَا
ليثٌ بِعَثَّرَ يصطادُ الرِّجالَ إذا
ما كَذَّبَ الليثُ عن أقرانِهِ صَدَقَا
يَطْعَنْهُمُ ما ارْتَمُوا حتَّى إذا اطَّعَنُوا
ضارَبَ حتّى إذا ما ضارَبُوا اعَتنَقَا
هذا وليسَ كمَن يَعْيَا بِخُطَّتِهِ
وسطَ الندَِّيِّ إذا ما ناطِقٌ نَطَقَا
لو نالَ حيٌّ مِنَ الدّنيا بمنزلةٍ
أُفْقَ السماءِ لنالتْ كَفُّهُ الأُفُقَا